فصل: الوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات:

{خليفة} وأشباهها بالإمالة عند الوقف: أبو عمرو وحمزة وعلي والأعشى والبرجمي إلا أن يكون قبلها من الحروف الموانع السبع وهي: الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والخاء والقاف نحو: خاصة، وفريضة، وحطة، وغلظة، وصبغة، وصاخة، وشقة. وأما العين والحاء والراء فعلى الاختلاف عند أهل المدينة، فأشدهم إمالة حمزة وعلي، فأما أبو عمرو والأعشى والبرجمي فإنهم يميلون بين الفتح والكسر وإلى الفتح أقرب {إني أعلم} بفتح الياء: ابن كثير وأبو جعفر ونافع وأبو عمرو.

.الوقوف:

{خليفة} ط بناء على أن عامل {إذ} محذوف أي اذكر. ومن جعل {قالوا} عامل {إذ} وصل.
{الدماء} ج لأن انتهاء الاستفهام على قوله: {ويسفك الدماء} يقتضي الفصل، واحتمال الواو لمعنى الحال في قوله: {ونحن نسبح بحمدك} يقتضي الوصل {ونقدس لك} ط {ما لا تعلمون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في {إذ} قولان:
أحدهما: أنه صلة زائدة إلا أن العرب يعتادون التكلم بها والقرآن نزل بلغة العرب.
الثاني: وهو الحق أنه ليس في القرآن ما لا معنى له وهو نصب بإضمار اذكر، والمعنى أذكر لهم قال ربك للملائكة فأضمر هذا لأمرين: أحدهما: أن المعنى معروف.
والثاني: أن الله تعالى قد كشف ذلك في كثير من المواضع كقوله: {واذكر أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف} [الأحقاف: 21] وقال: {واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ} [ص: 17]، {واضرب لَهُمْ مَّثَلًا أصحاب القرية إِذْ جَاءهَا المرسلون إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين} [يس: 13، 14] والقرآن كله كالكلمة الواحدة ولا يبعد أن تكون هذه المواضع المصرحة نزلت قبل هذه السورة فلا جرم ترك ذلك هاهنا اكتفاء بذلك المصرح.
قال صاحب الكشاف: ويجوز أن ينتصب {إذ} بقالوا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ} إذ وإذا حرفَا توقيت؛ فإذ للماضي، وإذا للمستقبل؛ وقد توضع إحداهما موضع الأخرى.
وقل المُبَرّد: إذا جاء {إذ} مع مستقبل كان معناه ماضيًا؛ نحو قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ} [الأنفال: 30] {وَإِذْ تَقُولُ للذى أَنعَمَ الله عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] معناه إذْ مكروا، وإذ قلت.
وإذا جاء {إذا} مع الماضي كان معناه مستقبلًا؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطآمة} [النازعات: 34] {فَإِذَا جَاءَتِ الصآخة} [عبس: 33] و{إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله والفتح} [النصر: 1] أي يجيء.
وقال مَعْمَر بن المُثَنَّى أبو عبيدة: {إذ} زائدة؛ والتقدير: وقال ربك؛ واستشهد بقول الأَسْوَد بن يَعْفُر:
فإذ وذلك لا مَهاةَ لذِكرهِ ** والدهر يُعْقب صالحًا بفسادِ

وأنكر هذا القول الزجاجُ والنحاس وجميع المفسرين.
قال النحاس: وهذا خطأ؛ لأن {إذ} اسم وهي ظرف زمان ليس مما تزاد.
وقال الزجاج: هذا اجترام من أبي عبيدة؛ ذكر الله عز وجل خلق الناس وغيرهم؛ فالتقدير وابتدأ خلقكم إذ قال؛ فكان هذا من المحذوف الذي دل عليه الكلام، كما قال:
فإن المنية مَن يخشها ** فسوف تصادفه أينما

يريد أينما ذهب.
ويحتمل أن تكون متعلقة بفعل مقدّر تقديره واذكر إذ قال.
وقيل: هو مردود إلى قوله تعالى: {اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ} فالمعنى الذي خلقكم إذ قال ربك للملائكة.
وقول الله تعالى وخطابه للملائكة متقرّر قديم في الأزل بشرط وجودهم وفهمهم.
وهكذا الباب كله في أوامر الله تعالى ونواهيه ومخاطباته.
وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري، وهو الذي ارتضاه أبو المعالي.
وقد أتينا عليه في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفات الله العلى. اهـ.

.قال الطبري:

قوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ}.
زعم بعض المنسوبين إلى العلم بلغات العرب من أهل البصرة: أن تأويل قوله: {وإذ قال ربك} وقال ربك؛ وأن {إذ} من الحروف الزوائد، وأن معناها الحذف. واعتلّ لقوله الذي وصفنا عنه في ذلك ببيت الأسود بن يَعْفُر:
فَإِذَا وَذَلِكَ لامَهَاهَ لِذِكْرهِ ** وَالدَّهْرُ يُعْقِب صَالِحًا بِفَسَادِ

ثم قال: ومعناها: وذلك لامهاه لذكره- وببيت عبد مناف بن رِبْع الهُذَليِّ:
حَتَّى إِذَا أَسْلَكُوهُمْ فِي قُتَائِدَةٍ ** شَلا كَمَا تَطْرُدُ الْجَمَّالَةُ الشُّرُدَا

وقال: معناه، حتى أسلكوهم.
قال أبو جعفر: والأمر في ذلك بخلاف ما قال: وذلك أن {إذ} حرف يأتي بمعنى الجزاء، ويدل على مجهول من الوقت. وغيرُ جائز إبطال حرف كان دليلا على معنى في الكلام. إذْ سواءٌ قيلُ قائل: هو بمعنى التطوُّل، وهو في الكلام دليل على معنى مفهوم- وقيلُ آخرَ، في جميع الكلام الذي نطق به دليلا على ما أريد به: وهو بمعنى التطوُّل.
وليس لما ادَّعَى الذي وصفنا قوله في بيت الأسود بن يعفر: أن {إذا} بمعنى التطوّل- وجه مفهوم، بل ذلك لو حذف من الكلام لبطل المعنى الذي أراده الأسود بن يعفر من قوله:
فَإِذَا وذلك لامَهَاهَ لِذِكْرِه

وذلك أنه أراد بقوله: فإذا الذي نحن فيه، وما مضى من عيشنا. وأشار بقوله: {ذلك} إلى ما تقدم وصْفه من عيشه الذي كان فيه- لامهاه لذكره يعني لا طعمَ له ولا فضلَ، لإعقاب الدهر صَالح ذلك بفساد. وكذلك معنى قول عبد مناف بن رِبْعٍ:
حَتَّى إِذَا أَسْلَكُوهُمْ فِي قُتَائِدَةٍ ** شَلا......

لو أسقط منه إذا بطل معنى الكلام، لأن معناه: حتى إذا أسلكوهم في قتائدة سلكوا شلا فدل قوله: أسلكوهم شلا على معنى المحذوف، فاستغنى عن ذكره بدلالة إذا عليه، فحذف. كما دَلّ- ما قد ذكرنا فيما مضى من كتابنا على ما تفعل العربُ في نظائر ذلك. وكما قال النمر بن تَوْلَب:
فَإِنَّ الْمَنِيَّةَ مَنْ يَخْشَهَا ** فَسَوْفَ تُصَادِفُه أَيْنَما

وهو يريد: أينما ذهب. وكما تقول العرب: أتيتك من قبلُ ومن بعدُ. تريد من قبل ذلك، ومن بعد ذلك. فكذلك ذلك في إذا كما يقول القائل:
إذا أكرمك أخوكَ فأكرمه، وإذا لا فلا. يريد: وإذا لم يكرمك فلا تكرمه.
ومن ذلك قول الآخر:
فَإِذَا وَذَلِكَ لا يَضُرُّكَ ضُرُّهُ ** فِي يَوْم أسألُ نَائِلا أو أنْكَدُ

نظيرَ ما ذكرنا من المعنى في بيت الأسود بن يعفر. وكذلك معنى قول الله جل ثناؤه: {وإذ قالَ ربك للملائكة} لو أبْطِلت {إذ} وحُذِفت من الكلام، لاستحال عن معناه الذي هو به، وفيه {إذ}.
فإن قال لنا قائل: فما معنى ذلك؟ وما الجالب ل {إذ} إذ لم يكن في الكلام قبله ما يُعطف به عليه؟
قيل له: قد ذكرنا فيما مضى: أنّ الله جل ثناؤه خاطب الذين خاطبهم بقوله: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم} بهذه الآيات والتي بعدها، مُوَبِّخهم مقبحًا إليهم سوءَ فعالهم ومقامهم على ضلالهم، مع النعم التي أنعمها عليهم وعلى أسلافهم؛ ومذكِّرَهم- بتعديد نعمه عليهم وعلى أسلافهم- بأسَه، أن يسلكوا سبيل من هلك من أسلافهم في معصيته، فيسلك بهم سبيلهم في عقوبته; ومعرِّفهم ما كان منه من تعطّفه على التائب منهم استعتابًا منه لهم. فكان مما عدّد من نعمه عليهم أنه خلق لهم ما في الأرض جميعًا، وسخّر لهم ما في السموات من شمسها وقمرها ونجومها، وغير ذلك من منافعها التي جعلها لهم ولسائر بني آدم معهم منافع. فكان في قوله تعالى ذكره {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} معنى: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، إذ خلقتكم ولم تكونوا شيئًا، وخلقت لكم ما في الأرض جميعًا، وسويت لكم ما في السماء. ثم عطف بقوله: {وإذ قال رَبُّك للملائكة} على المعنى المقتضَى بقوله: {كيف تكفرون بالله} إذ كان مقتضيًا ما وصفتُ من قوله: {اذكروا نعمتي} إذ فعلت بكم وفعلتُ، واذكروا فعلي بأبيكم آدم إذ قلتُ للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفةً.
فإن قال قائل: فهل لذلك من نظير في كلام العرب نعلم به صحة ما قلت؟ قيل: نعم، أكثرُ من أن يحصى، من ذلك قول الشاعر:
أجِدَّك لَنْ تَرَى بِثُعَيْلِبَاتٍ ** وَلا بَيْدَانَ نَاجِيةَ ذَمُولا

وَلا مُتَدَاركٍ وَالشَّمْسُ طِفْلٌ ** بِبَعْضِ نَوَاشغ الوَادي حُمُولا

فقال: ولا متداركٍ، ولم يتقدمه فعلٌ بلفظ يعطفه عليه، ولا حرف مُعرَب إعرابَه، فيردّ متدارك عليه في إعرابه. ولكنه لما تقدّمه فعل مجحود بلن يدل على المعنى المطلوب في الكلام من المحذوف، استغني بدلالة ما ظهر منه عن إظهار ما حُذِف، وعاملَ الكلامَ في المعنى والإعراب معاملته أن لو كان ما هو محذوف منه ظاهرًا. لأن قوله:
أجدّك لن تَرَى بِثُعَيْلِبَات

بمعنى: أجدّك لستَ بِرَاءٍ، فردّ متداركًا على موضع ترى، كأنْ لست والباء موجودتان في الكلام. فكذلك قوله: {وإذ قالَ رَبُّك} لمّا سلف قبله تذكير الله المخاطبين به ما سلف قِبَلهم وقِبَل آبائهم من أياديه وآلائه، وكانَ قوله: {وإذ قال ربك للملائكة} مع ما بعده من النعم التي عدّدها عليهم ونبّههم على مواقعها- رَدّ {إذْ} على موضع {وكنتم أمواتًا فأحياكم}.
لأن معنى ذلك: اذكروا هذه من نعمي، وهذه التي قلت فيها للملائكة. فلما كانت الأولى مقتضية {إذ} عطف ب {إذ} على موضعها في الأولى، كما وصفنا من قول الشاعر في ولا متدارك. اهـ.

.قال الفخر:

من الناس من قال: الكلام في الملائكة ينبغي أن يكون مقدمًا على الكلام في الأنبياء لوجهين:
الأول: أن الله تعالى قدم ذكر الإيمان بالملائكة على ذكر الإيمان بالرسل في قوله: {والمؤمنون كُلٌّ ءامَنَ بالله وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [المؤمنون: 285] ولقد قال عليه السلام: «ابدؤا بما بدأ الله به» الثاني: أن الملك واسطة بين الله وبين الرسول في تبليغ الوحي والشريعة فكان مقدمًا على الرسول، ومن الناس من قال: الكلام في النبوات مقدم على الكلام في الملائكة لأنه لا طريق لنا إلى معرفة وجود الملائكة بالعقل بل بالسمع، فكان الكلام في النبوات أصلًا للكلام في الملائكة فلا جرم وجب تقديم الكلام في النبوات، والأولى أن يقال الملك قبل النبي بالشرف والعلية وبعده في عقولنا وأذهاننا بحسب وصولنا إليها بأفكارنا.
واعلم أنه لا خلاف بين العقلاء في أن شرف الرتبة للعالم العلوي هو وجود الملائكة فيه كما أن شرف الرتبة للعالم السفلى هو وجود الإنسان فيه إلا أن الناس اختلفوا في ماهية الملائكة وحقيقتهم وطريق ضبط المذاهب أن يقال: الملائكة لابد وأن تكون ذوات قائمة بأنفسها ثم إن تلك الذوات إما أن تكون متحيزة أولا تكون، أما الأول: وهو أن تكون الملائكة ذوات متحيزة فهنا أقوال: أحدها: أنها أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكل بأشكال مختلفة مسكنها السموات، وهذا قول أكثر المسلمين.
وثانيًا: قول طوائف من عبدة الأوثان وهو أن الملائكة هي الحقيقة في هذه الكواكب الموصوفة بالإسعاد والأنحاس فإنها بزعمهم أحياء ناطقة، وأن المسعدات منها ملائكة الرحمة والمنحسات منها ملائكة العذاب، وثالثها: قول معظم المجوس والثنوية وهو أن هذا العالم مركب من أصلين أزليين وهما النور والظلمة، وهما في الحقيقة جوهران شفافان مختاران قادران متضادا النفس والصورة مختلفا الفعل والتدبير، فجوهر النور فاضل خير نقي طيب الريح كريم النفس يسر ولا يضر، وينفع ولا يمنع، ويحيى ولا يبلى وجوهر الظلمة على ضد ذلك.
ثم إن جوهر النور لم يزل يولد الأولياء وهم الملائكة لا على سبيل التناكح بل على سبيل تولد الحكمة من الحكيم والضوء من المضيء.
وجوهر الظلمة لم يزل يولد الأعداء وهم الشياطين على سبيل تولد السفه من السفيه لا على سبيل التناكح فهذه أقوال من جعل الملائكة أشياء متحيزة جسمانية.
القول الثاني: أن الملائكة ذوات قائمة بأنفسها وليست بمتحيزة ولا بأجسام فههنا قولان: أحدهما: قول طوائف من النصارى وهو أن الملائكة في الحقيقة هي الأنفس الناطقة المفارقة لأبدانها على نعت الصفاء والخيرية وذلك لأن هذه النفوس المفارقة إن كانت صافية خالصة فهي الملائكة، وإن كانت خبيثة كدرة فهي الشياطين.
وثانيهما: قول الفلاسفة: وهي أنها جواهر قائمة بأنفسها وليست بمتحيزة ألبتة، وأنها بالماهية مخالفة لأنواع النفوس الناطقة البشرية وأنها أكمل قوة منها وأكثر علمًا منها، وأنها للنفوس البشرية جارية مجرى الشمس بالنسبة إلى الأضواء، ثم إن هذه الجواهر على قسمين، منها ما هي بالنسبة إلى أجرام الأفلاك والكواكب كنفوسنا الناطقة بالنسبة إلى أبداننا، ومنها ما هي لا على شيء من تدبير الأفلاك بل هي مستغرقة في معرفة الله ومحبته ومشتغلة بطاعته، وهذا القسم هم الملائكة المقربون ونسبتهم إلى الملائكة الذين يدبرون السموات كنسبة أولئك المدبرين إلى نفوسنا الناطقة.
فهذان القسمان قد اتفقت الفلاسفة على إثباتهما، ومنهم من أثبت أنواعًا أخر من الملائكة وهي الملائكة الأرضية المدبرة لأحوال هذا العالم السفلي، ثم إن المدبرات لهذا العالم إن كانت خيرة فهم الملائكة وإن كانت شريرة فهم الشياطين، فهذا تفصيل مذاهب الناس في الملائكة واختلف أهل العلم في أنه هل يمكن الحكم بوجودها من حيث العقل أو لا سبيل إلى إثباتها إلا بالسمع؟ أما الفلاسفة فقد اتفقوا على أن في العقل دلائل تدل على وجود الملائكة، ولنا معهم في تلك الدلائل أبحاث دقيقة عميقة، ومن الناس من ذكر في ذلك وجوهًا عقلية اقناعية ولنشر إليها.
أحدها: أن المراد من الملك الحي الناطق الذي لا يكون ميتًا، فنقول القسمة العقلية تقتضي وجود أقسام ثلاثة فإن الحي إما أن يكون ناطقًا وميتًا معًا وهو الإنسان، أو يكون ميتًا ولا يكون ناطقًا وهو البهائم، أو يكون ناطقًا ولا يكون ميتًا وهو الملك، ولا شك أن أخس المراتب هو الميت غير الناطق، وأوسطها الناطق الميت، وأشرفها الناطق الذي ليس بميت، فإذا اقتضت الحكمة الإلهية إيجاد أخس المراتب وأوسطها، فلأن تقتضي إيجاد أشرف المراتب وأعلاها كان ذلك أولى، وثانيًا: أن الفطرة تشهد بأن عالم السموات أشرف من هذا العالم السفلي وتشهد بأن الحياة والعقل والنطق أشرف من أضدادها ومقابلتها فيبعد في العقل أن تحصل الحياة والعقل والنطق في هذا العالم الكدر الظلماني، ولا تحصل ألبتة في ذلك العالم الذي هو عالم الضوء والنور والشرف.
وثالثها: أن أصحاب المجاهدات أثبتوها من جهة المشاهدة والمكاشفة، وأصحاب الحاجات والضرورات أثبتوها من جهة أخرى وهي ما يشاهد من عجائب آثارها في الهداية إلى المعالجات النادرة الغريبة وتركيب المعجونات واستخراج صنعة الترياقات، ومما يدل على ذلك حال الرؤيا الصادقة، فهذه وجوه إقناعية بالنسبة إلى من سمعها ولم يمارسها، وقطعية بالنسبة إلى من جربها وشاهدها واطلع على أسرارها، وأما الدلائل النقلية فلا نزاع ألبتة بين الأنبياء عليهم السلام في إثبات الملائكة، بل ذلك كالأمر المجمع عليه بينهم والله أعلم. اهـ.